رجل فريد من نوعه، هرب من التاريخ فلحقه التاريخ، وفر من الأضواء فصار نورًا وضياءً، وضعه النبي صلى الله عليه وسلم، في الصف الأول وحده بعد جيل الصحابة، إنه أفضل الناس على الإطلاق بعد الصحابة، أفضل من كل الملايين من العلماء والعباد والأخيار والأبرار من البشر إلى يوم القيامة، أفضيلة مطلقة بعد الجيل الحائز على مزية الصحبة.
تقدم فريد عليه توقيع خاتم النبيين، فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ».
وفي حديث آخر في صحيح مسلم عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ نَعَمْ . قَالَ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ قَالَ نَعَمْ. قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ قَالَ نَعَمْ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «يَأْتِى عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ». فَاسْتَغْفِرْ لِى. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ الْكُوفَةَ. قَالَ أَلاَ أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا قَالَ أَكُونُ فِى غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَىَّ.
مميزاته: صلاح قلبه، وبر والدته، وصبر على قضاء الله وقدره.
عبقرية أويس التي أدرك معها أسرار هذا الإنجاز العظيم، فتشبث به، أنه أدرك أن فضل الله عليه لم يكن بسبب الجماهير والأتباع، بل بشيء غيبه عن العيون، سر النجاح هو تلك الجلسة المتواضعة عند أقدام أمه العجوز، والأيدي البارة التي تمتد إلى تلك الأقدام، السر هناك حيث قبلات البر على عروق بارزة في كف أم كبيرة، هناك حيث تنجز الأعمال الخالدة بعيدًا عن الأخبار والأسماء والحشود، سر النجاح هو الصمود في وجه البلاء والرضا بالقدر والقضاء، والمضي بتلك الأوجاع بلا شكوى، ولا ضجر، بنفوس راضية هانئة، تمتد بعيون صبرها إلى ما وراء الحياة، إلى حيث يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.