الثقة بالله نحتاجها جميعا رجالا ونساء؛
* فهذه أم موسى - عليه السلام- كما قص الله علينا قصتها في سورة طه؛ هذه المرأة المباركة عاشت في زمن جبار عنيد، وطاغوت فريد؛ لن نجد له في التاريخ مثيلا؛ هذا الطاغوت ادعى الربوبية: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات(24)]، ونفي الأولوهية عما سواه: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص(38)].
طاغوت استخف قومه فأطاعوه، وسام شعبه سوء العذاب؛ معتمدا على خرافات وأحلام ما أنزل الله بها من سلطان، فقد رأى في منامه رؤيا أقلقته وأفزعته، فدعا المنجِّمين لتأويلها، فأولها: بأنه سيولد مولود في بني إسرائيل يسلبه مُلكه، ويغلبه على سلطانه، ويبدل دينه!!
فما كان من هذا الجبار إلا أن أصدر مرسوما جائرا يقضي بقتل كل طفل ذكر سيولد في البلد؛ فقتل جنوده ما شاء الله أن يقتلوا؛
وقد جاءت هذه القصة مختصرة في سورة طه في قوله تعالى: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى* * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي* إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ}[طـه(40)(38)(39)].
فتأمل في هذه الثقة العظيمة من أم موسى -عليه السلام- في وعد الله الله؛ قال ابن القيم رحمه الله: \"فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله -تعالى-، إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء، تتلاعب به أمواجه، وجريانه إلى حيث ينتهي أو يقف\"[مدارج السالكين(2/142)].
وقد حقق الله لها ما وعدها به، ورد لها فلذة كبدها، وحفظه من كل سوء ومكروه؛ فكن واثقا بوعد الله كوثوق أم موسى -عليه السلام-.
وهكذا عاش نبي الله موسى -عليه السلام- حياته كلها واثقا بالله مطمئنا به؛ ففي أحداث احتسابه على فرعون وقومه، ودعوته لهم، فر موسى-عليه السلام- ومن معه المؤمنين فتبعه فرعون ومن معه من الكافرين، قال تعالى: {فأتبعوهم مشرقين} أي وصلوا إليهم عند شروق الشمس، وهو طلوعها: {فلما تراءا الجمعان} أي رأى كل من الفريقين صاحبه، فعند ذلك: {قال أصحاب موسى إنا لمدركون} وذلك أنهم انتهى بهم السير إلى سيف البحر، وهو بحر القلزم، فصار أمامهم البحر وقد أدركهم فرعون بجنوده، فلهذا قالوا: {إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين} أي لا يصل إليكم شيء مما تحذرون، فإن الله سبحانه هو الذي أمرني أن أسير هاهنا بكم، وهو سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد ... وقد ذكر غير واحد من المفسرين: أنهم وقفوا لا يدرون ما يصنعون، وجعل يوشع بن نون أو مؤمن آل فرعون، يقول لموسى عليه السلام: يا نبي الله هاهنا أمرك ربك أن تسير؟ فيقول: نعم، فاقترب فرعون وجنوده، ولم يبق إلا القليل، فعند ذلك أمر الله نبيه موسى -عليه السلام- أن يضرب بعصاه البحر، فضربه وقال: انفلق بإذن الله\"[ينظر تفسير القرآن العظيم(6/130)] وبذلك نجى الله موسى ومن معه من المؤمنين، وأهلك فرعون ومن معه من الجاحدين.