السلام عليكم
وجب توضيح ظوابط الإستئناس بالمنامات في علم آخر الزمان حتى لا نفتح الباب امام مصراعيه للتنطع، التخرص، اتباع الاهواء و نشر الفتن.
1. المنامات ليست حجة شرعية
منقول
كتبه: فضيلة الشيخ محمد إسماعيل المُقَدِّم
من كتاب: أُصُول بِلا أُصُول
ذهب بعض الناس إلى الاعتماد على الرؤى والمنامات واعتبارها حُجَّة. والصحيح أن الرؤيا لا تُعتَبَر حُجَّة ولا مصدر من مصادر التشريع، ولا يجوز أن يبني عليها الإنسان حُكماً شرعياً حِلاً أو حُرمةً، كراهةً أو استحباباً، أو غير ذلك من مثل تعيين مُراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بتفسير الكتاب والسُنَّة.
وقد بَيَّنَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (19/5) أن الحق الذي لا باطل فيه هو "ما جاءت به الرُّسُل عن الله تعالى، ويُعرَف بالكتاب والسُنَّة والإجماع. فإن هذا حقٌ لا باطل فيه، واجب الاتباع لا يجوز تركه بحال، عامُّ الوجوب لا يجوز ترك شيء مما دلت عليه هذه الأصول، وليس لأحدٍ الخروج عن شيءٍ مما دلت عليه. الكتاب والسُنَّة والإجماع، وبإزائه لقومٍ آخرين: المنامات، والإسرائيليات، والحكايات".
الأدلة على أن الرؤيا ليست مصدراً للتشريع:
1. أن الله تعالى أوجب علينا اتباع كتابه المجيد وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم لا غير. وذلك كثير في القرآن الكريم، كقوله تعالى { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِن رَبِّكُم } الآية 3 من سورة الأعراف.
2. قولُه تعالى { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينَاً } الآية 3 من سورة المائدة.
فلا مجال لتشريعٍ بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.
قال الشوكاني رحمه الله في إرشاد الفُحول إلى علم الأصول (2/291، 292): "ولا يخفاكَ أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم قد كمَّله الله عز وجل، ولم يبق بعد ذلك حاجة للأُمَّة في أمر دينها، وقد انقطعت البعثة بالموت".
قال الشوكاني رحمه الله في إرشاد الفُحول إلى علم الأصول (2/291، 292): "ولم يأتنا دليل يدُل على أن رؤيته في النوم بعد موته صلى الله عليه وسلم إذا قال فيها بقول أو فعل فيها يكون دليلاً وحُجَّة، بل قد قبضهُ الله إليه بعد أن كَمَّل لهذه الأُمَّة ما شرعه لها على لسانه".
قال الإمام المُحَقِّق ابن القَيِّم الجوزية رحمه الله تعالى في مدارج السالكين (1/81): "والرؤيا كالكشف: منها رحماني ومنها شيطاني، ورُؤيا الأنبياء وحي فإنها معصومة من الشيطان، وهذا باتفاق الأُمَّة. ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام بالرُؤيا. وأما رُؤيا غيرهم فتُعرَض على الوحي الصريح، فإن وافقته وإلا لا يُعمل بها".
وقال الشيخ عبد الرحمن المُعَلِّمي رحمه الله في التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل (2/242): "الرُؤيا قصاراها التبشير والتحذير، وفي الصحيح أن الرُؤيا تكون حقاً وهي المعدودة من النُبُوة، وقد تكون من الشيطان، وقد تكون من حديث النفس، والتمييز مُشْكِل".
____
انتهى النقل،
الشاهد ان المسلم لا يحتج باي منام " تواتر " لتعديل الشرع او التقول في الدين بما يخالف الكتاب و السنة و إجماع الامة سلفا و خلفا...
مثال : ان يقول احدهم انه سمع هاتفا او رأى الرسول عليه الصلاة و السلام يامره بفعل مخالف للقران او السنة : زيادة ركعات، تغيير قبلة الخ.....
2.ظوابط الاستئناس بالمنامات في علم آخر الزمان
يجب الاقرار اولا ان كل منام هو ظني قد يكون المنام صادقا، حديث نفس، أضغاث أحلام، شيطاني الخ و التمييز صعب في زمن الفتن و التدليس، فالمعبر يجب ايضا ان يكون تقيا عارفا بكتاب الله و سنة رسوله و يتقي الله في التعبير، و ان لا يسقط في الاهواء و التحزب لرايات او فرق او معتقدات فاسدة من اهل البدع و الضلال فيعبر حسب هواه، و ان لا يسقط المعبر ايضا في فتنة التوهم انه مهدي فيحور التعبير لنفسه او لاحد يعرفه، فيكرب تعبير المنامات....
و المعبر الفذ من يملك ملكة التعبير و يعرف يفك الرموز و سؤال الرائي عن احواله و حالته الدينية و ما يشغل باله ايضا لمعرف فك المنام هل حديث نفس او منام صادق.... فالحق هو الكتاب و السنة القطعي الثبوت وحيا و ليس المنامات و الهلاوس التي تبقى في حكم الظني، و كل ما هو ظني يبقى ظني ،
و لو وضعنا منام واحد امام خمس معبرين ثقات سنرى اختلافا كبيرا في التعبير، لان كل فرد يفتح الله عليه ، الاول قد يقول حديث نفس، الثاني اضغاث احلام، الثالث يعبر المنام بصدق، الرابع، المنام شيطاني و الخامس قد يقول لا ادري،
فالرائي عليه ان يأخذ بالتعبير الاقرب للحق و بما يرتاح له قلبه و فطرته بدون تعصب او اتباع اهواء او توهم مسبق...
بالنسبة للاستئناس باي منام "تم تعبيره انه صادق و من المبشرات او المنذرات للامة، يجب الحذر في التعامل مع التعبير و تنزيله على واقع او شخص او زمان او مكان حتى لا يفتح باب فتن او هرج بسبب سوء تعبير او تاويل لمنامات قد تكون حق او مفبركة في زمن حرب الدجال....
هناك 3 حالات للمنامات حسب اجتهادي البسيط
1.منامات توافق الكتاب و السنة حول المهدي و الامة : هذه منامات صادقة يمكن الاستئناس بها من باب العلم بالشيئ و تدبرها ، لكن ليس الاحتجاج بها كدليل تصديق للكتاب او السنة،
مثال : منامات تبين لنا ان المهدي يملك العرب او خليفة او يبايع قرب المقام، او المهدي من ولد فاطمة، او المهدي يقود الملحمة او المهدي يعاصر الدجال، او المهدي يعاصر عيسى عليه السلام : هي منامات صادقة لانها تاتي بامر قطعي في القران و السنة
امر اخر : ان اتى منام يصف حديثا ضعيفا او من الاثار، لا نستدل بالمنام لتصحيح الحديث ! و نحتج بهلاوس لنهدم علم الحديث، ف هذا باب التخرص و الجهل و التنطع
فالحديث تم تضعيففه من قبل علماء الحديث بدراسة السند و المتن بترق علمية و ليس للمنامات اي استدلال شرعي و هامش تلبيس الشيطان كبير في المنامات،
2.منامات تخالف الكتاب و السنة : يجب تركها جانبا و انكارها لانها اما اكاذيب او حديث نفس او هلاوس الخ و لا يجب التوقف عندها،
مثال : القول ان المهدي ليس هاشمي، ، المهدي يتم الاسراء و المعراج به، المهدي يتزوج في السماء، مريم عليها السلام معمرة و ترجع للدنيا، الخظر عليه السلام يرجع، اهل الكهر يرجعون، المهدي اعجمي،الخ من الاباطيل و المناكير،
فيجب عرض المنام دائما هل مخالف للكتاب و السنة ام لا،
3.منامات تصف امورا توقف عندها الكتاب و السنة : هذه المنامات يجب الحذر في تعبيرها و ان يكون المعبر يخاف الله و يتقي الله و لا يكون مبتدعا ضالا او جاهلا او متوهما الخ....فيمكن الاستئناس بها من باب العلم بالشيئ
مثال : المهدي مسحور : هناك منامات بينت انه مسحور او ممسوس، السؤال هل هناك مانع شرعي ان يكون المهدي مسحورا او نصا شرعيا يمنع او ينفي الامر ؟ الجواب لا : وارد ان يكون المهدي مسحورا او ليس مسحورا، فالامر هنا سعة، لكن يبقى الاستئناس ظنيا بتعبير ظني حتى لا يصبح الامر "يقينيا "، فمن يعتقد ان المهدي مسحور حقه، و من ينفي الامر حقه
المهدي اعزب او متزوج او مطلق او لديه اولاد : الامر سعة، كل شيئ وارد
المهدي مهاجر او ساكن في بلد معين : وارد لكن بدون التعصب القطري الجاهلي و ان يحتج اي انسان بمنامات ليتعصب لبلده هنا فتحنا باب الجهل و الهرج
المهدي يعمل كذا او عاطل : الامر وارد
المهدي اعتمر او حج او لم يحج : الامر غيبي
إذن هذا النوع من المنامات انما هي اخبار رباني عن غيبيات، لكن تحتاج التدبر و التعبير بالحق لنصل لفك رموز من مبشرات عن المهدي او الامة.
____
3. منهجية الاستئناس بالمنامات في علم آخر الزمان : عندما نستأنس باي منام عن المهدي او الامة، يجب دائما الاستدلال بالكتاب و السنة للتاكيد ان هذا المنام صادق او انه اتى ببأمر غيبي لا يخالف القران و السنة او اتى بأمر سكت عنه الشرع، حتى نعطي مصداقية و قوة للمنام و للتعبير،
مثال : عندما نقول بتواتر ان المهدي شبيه "يونس عليه السلام، و فعلا اتت منامات كثيرة منذ سنين من بلاد شتى ان المهدي يشبه يونس عليه السلام،
لكن لا يجوز شرعا ان نقول " المهدي شبيه يونس عليه السلام " و نترك الباب امام الخيال الواسع و التاويل الفاسد و التنطع
المهدي شبيه ذي النون : في كذا و كذا فقط
المهدي يغضب و يذنب و يتوب، اواب اتواب، مثل ذي النون عليه السلام، فالمهدي ليس نبي و لا رسول في مقام يونس عليه السلام و هذا اعتقاد اهل السلف الصالح، و المهدي ليس مقامه الرسل و الانبياء لا في الدنيا او الاخرة، انما هو عبد من عباد الله سيؤتيه الله الحكم و الملك و الحكمة و الخلافة
عندما اتى منام " المهدي في بطن الحوت " منذ 5 سنوات، لا يعني ان المهدي سيحصل له ما وقع ليونس عليه السلام، فهو ليس رسول مبعوث لقوم كفار، انما دخل بطن "حوت الدنيا " بسبب الاسحار و الفقر، و خرج منه منذ أشهر في عيد الاضحى كما جاء في منامات....
فلا يجب فتح الباب امام التنطع و التهويل و التضخيم و الغلو كما يزعم صناديد التصوف و الباطنية ان جعلوا للمهدي مقامات ما انزل الله بها من سلطان.
و نفس الامر للمهدي شبيه موسى عليه السلام : فلا يعني ان المهدي له مقام كليم الله، او ان الله سيكلم المهدي او ان المهدي سيقتل نفسا او يعيش في قص فرعون جديد الخ.... ان المهدي شبيه موسى في الغضب في الحق و انه لديه كرامة " الوجه النوراني مثل الكوكب الذري " مثل معجزة موسى عليه السلام مع اليد البيضاء، و نفس الامر مع باقي الانبياء في منام " المهدي و الانبياء " : فالمهدي يشبه سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام في الاخلاق مع حفظ المقام، و يشبه يونس عليه السلام في الغضب و التوبة من الذنوب و كثرة التسبيح و الدعاء بدعاء الغريق ذي النون، و شبيه موسى عليه السلام في الغضب للحق، و يشبه سليمان عليه السلام في ملك الارض مع اختلاف المقام،و يشبه داوود عليه السلام في الاستخلاف في الارض و الحكمة، و يشبه ايوب عليه السلام في الصبر على المرض و البلاء، و يشبه يوسف عليه السلام في الملك و الحكمة و تاويل الاحاديث و لا يعني ان المهدي سيسجن او تقع له فتن النساء، انما هو دخل سجن يوسف سبع سنين من الفقر و تعطيل امور دنيا كما جاء في منامات...
الخلاصة يجب تدبر المنامات بحذر بدون غلو و تنطع او فسح المجال امام الخيال التصوفي...
و الله اعلم،
_________________
الأحد نوفمبر 26, 2017 5:48 pm